آخر تحديث للموقع : السبت - 15 نوفمبر 2025 - 06:58 ص

مقالات


بيان غروندبرغ الاخير: سلام بلا ادوات تنفيذية ملزمة

الأربعاء - 05 نوفمبر 2025 - الساعة 07:44 م

فائزة عبدالرقيب
الكاتب: فائزة عبدالرقيب - ارشيف الكاتب




د. فائزة عبدالرقيب

من جديد، يطل المبعوث الأممي الى اليمن هانس غروندبرغ ببيان يفيض بالكلمات ذاتها التي اعتدنا سماعها منذ سنوات: “فرصة”، و“زخم جديد”، و“نافذة لإحياء العملية السياسية”، وكأن شيئا تغير فعلا على الارض. بيان لا يختلف كثيرا عن سابقاته، سوى في نبرة التفاؤل التي تحاول الأمم المتحدة تسويقها لتغطية عجزها المستمر عن تحويل تلك اللغة الدبلوماسية الى ادوات تنفيذية حقيقية تُلزم الحوثيين بالسلام، او تضع حدّا لدائرة المراوغة التي تعيد الأزمة الى نقطة الصفر كل مرة.

يؤكد المبعوث الأممي أن التطورات الإقليمية الراهنة تفتح المجال لإحياء الزخم نحو خفض التصعيد واستئناف العملية السياسية الشاملة، غير أن التجارب علمتنا أن المليشيا الحوثية لا تنصاع الا للغة القوة، وأن كل هدنة او مبادرة تحولت في الواقع الى فرصة اضافية لتعزيز مواقعها العسكرية والمالية والسياسية.

ومن يتابع بيانات وتحركات المبعوث الأممي يستطيع أن يستنتج ما يقصده بعبارة “التطورات الإقليمية الراهنة التي ستفتح نافذة مهمة لإحياء الزخم نحو العملية السياسية الشاملة”. وهي عبارة فضفاضة يمكن قراءتها ضمن ثلاثة محاور رئيسية تعبر عن خلفية هذا الخطاب:

الأول: عودة الحراك السعودي لإحياء خارطة الطريق اليمنية التي أُعلن عنها في اواخر 2023، لكنها ظلت مجمدة بسبب تعنّت الحوثيين وتبدّل الأولويات الإقليمية. الرياض تحاول اليوم اعادة إحياء هذا المسار، مدفوعة برغبتها في تحقيق استقرار ينعكس على امنها الإقليمي وحدودها الجنوبية.

الثاني: يتصل بـ الهدوء النسبي في المشهد الإقليمي بعد اتفاق التهدئة السعودي–الإيراني، وانشغال طهران ووكلائها بملفات غزة والبحر الأحمر، وهو ما تحاول الأمم المتحدة استثماره لإقناع الأطراف اليمنية بخفض التصعيد ولو مؤقتا، تحت مظلة الحوار الأممي.

الثالث: يتعلق بـ القلق الدولي المتنامي من تدهور الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين، واحتجاز موظفي الأمم المتحدة الذي يحرج المنظمة ويذكر العالم بطبيعة الطرف الذي لا يزال يخرق القوانين الدولية ويعتدي على موظفي الإغاثة.

ورغم هذه المعطيات، ما تزال الأمم المتحدة تعالج الاعراض دون أن تمتلك الجرأة لتسمية المتسبب الحقيقي فيما يحدث في اليمن. فالمبعوث الأممي يحاول توظيف هذه التطورات كورقة ضغط اخلاقية ودبلوماسية لاجبار الحوثيين على الانخراط في حوار، دون أن يمتلك ادوات ضغط حقيقية تجعل من حديثه اكثر من مجرد تكرار دبلوماسي ممل.

وفي الوقت الذي تتحدث فيه الأمم المتحدة عن “فرص جديدة”، تبقى الشرعية اليمنية الطرف الاكثر حرصا على السلام؛ فقد مدت يدها مرارا وتنازلت كثيرا، لا ضعفا، بل من منطلق المسؤولية الوطنية للحفاظ على الوطن ووحدته، بينما واصلت المليشيا الحوثية العبث بالأمن والاستقرار وتمزيق النسيج الاجتماعي.

إنّ غروندبرغ يحاول أن يربط عباراته بسياق اوسع من “التهدئة الإقليمية” ليبدو وكأنه امام فرصة جديدة، غير أن الواقع يؤكد أنه لا جديد فعليا في بيانه الاخير ما لم تُترجم تلك “التطورات” إلى اتفاق ملزم وجدول زمني واضح، وما لم يُمارس المجتمع الدولي ضغطا حقيقيا على الحوثيين لإنهاء الانقلاب والانخراط في مسار سلام جاد، لا في مسرحية جديدة من المراوغة السياسية.